السفارة الأسترالية
لبنان

ANZAC_DAY_2014_AR

خطاب تذكاري لمناسبة يوم أنزاك 2014

في مثل هذا اليوم في العام 1915 وفي مثل هذه الساعة من ساعات الفجر الأولى، تمّ إنزال 16 ألف جندي أستراليّ ونيوزيلنديّ على شواطئ شبه جزيرة غاليبولي المغمورة، على بعد آلاف الأميال عن موطنهم.

مَنْ منهم كان ليتصوّر أنّ كلمة - غاليبولي – ستصبح، على مرّ السنين اللاحقة، رمزاً للمكان الذي انبعثت فيه أستراليا إلى الحياة؟

ومَنْ كان ليلومهم، في تلك الأوقات البائسة والعصيبة في ذاك الزمان والمكان، على عدم استشراف المستقبل؟

إنطبعت هذه الحملة، بدقائقها كلِّها، بأهميّة هذه الحرب. وبسيل الأسى والألم والدماء الذي تخلّلها.

لقي أكثر من 8,700 شخص من خيرة شبابنا وشابّاتنا حتفهم خلال الأشهر الثمانية التي أمضوها في غاليبولي، مع سقوط أكثر من ألفَيْ شخص بين قتيل وجريح في اليوم الأول من الحملة وحده.

لكنّ الجنود الأستراليّين والأتراك وحّدوا قواهم على هذه الشواطئ ووسط هذه الأودية. وكما تدلّ كلمات أتاتورك الشهمة ضمناً، لم يسقط أيّ منهم سدىً.

فمع اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت أستراليا تعدّ نحو 4,5 ملايين نسمة، كان يحق لمليون منهم التطوّع. تطوّع 420 ألفاً وقد أُرسِل 330 ألفاً منهم إلى الحرب. وفي فرنسا في العام 1916، خسرنا 23 ألف جندي في ستة أسابيع فقط. لقي 62 ألف أستراليّ حتفه خلال الحرب. ومن بين الـ 155 ألف جندي الذين عادوا مصابين إلى أستراليا، قضى 60 ألفاً آخرين في السنوات العشر اللاحقة.

من هذه الخسارة الفادحة والمعاناة المأساوية، تعلّمت أجيال المستقبل شيئاً عن قيمة الأشخاص العاديّين – الممرِّضات والجنود والبحّارة – الذين أثبتوا، في فترات الضيق والشدة التي يعجز عنها الوصف، أنّهم أكثر من عاديّين.

فقد أثبتت كلّ وفاة غير ضرورية أنّ الأمم العظيمة لا تقوم على التسلّط والغزو، بل على مثل عليا بسيطة لكنْ خالدة، مثل البسالة، والقدرة على التحمّل، وروح الزمالة. هكذا وُلد واحد من أعظم تقاليدنا وأرقاها؛ تقليد ما انفك يطبع هويتنا مذاك الحين.

هنا، وفي هذه المدافن الساكنة في وسط بيروت، نستذكر معاناة جنودنا وجنديّاتنا والتضحيات التي بذلوها من أجل لبنان أيضاً.

ففي مدافن الكومنولث في بيروت وطرابلس وصيدا، يرقد ما يقارب 320 جندياً أسترالياً و15 جندياً نيوزيلندياً. وعلى غرار أولئك الذين قضوا في وحول غاليبولي منذ جيل من الزمن، لم تذهب تضحيتهم سدىً.

في العام 1941، حرّرت الفرقة السابعة في الجيش الأسترالي، إلى جانب تحالف ضمّ القوات البريطانية والتشيكية والهندية وقوات فرنسا الحرة والفيلق العربي، لبنان وسورية من حكم قوات فرنسا فيشي.

وقد أدى إسقاط نظام فيشي مباشرة إلى استقلال لبنان وسورية في العامين 1943 و1944 على التوالي.

واليوم، وبعد انتهاء المراسم، أدعوكم إلى التجوّل في المدافن التي يواصل القيِّم عليها، السيد يحيى بساط وفريقه، الحفاظ عليها بهذه الحلّة الجميلة.

وإحياءً للذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى، كتب تلامذة من عدة مدارس حول أستراليا رسائل على صلبان خشبية، شبيهة بتلك التي حصلنا عليها من Australian War Memorial.

ندعوكم إلى أخذ واحد من هذه الصلبان ووضعه على شاهد القبر الذي يحرِّك مشاعركم. قد تختارون ضريح الوكيل العريف روسيل ماكونيل الذي قضى في جزين، وهو يحمل رقيبه الذي سقط جريحاً إلى برّ الأمان.

أو لعلكم تختارون ضريح المدفعي جو كروغان الذي لم يفارقه حسّه الفكاهي حتى بعدما أصيب إصابة بالغة.

أو لعلكم تؤثرون البحث عن ضريح الملازم الأول جايمس كوكلي الذي لقي مصرعه، وهو يهاجم مربض مدفع رشاش تابعاً لقوات فيشي. وكان جايمس وزملاؤه الجنود الأستراليون والنيوزيلنديون قد حملوا الجرحى الفرنسيّين على حمّالات وتشاركوا معهم ما تبقى لهم من ماء، على الرغم من افتقارهم إليه.

أو لعلكم تقرِّرون تكريم المدفعي نيكولاس خوري الذي ولد في أستراليا لأبوين لبنانيّين. توفي نيكولاس على بعد 80 ميلاً عن مسقط رأس والده.

إنتقوا روحاً من هذه الأرواح التي رحلت عن عالمنا والتي تحوم حولنا، وقد ووريت في الثرى باكراً جداً، وفي مكان بعيد البعد كلّه عن موطنها. تعاطفوا مع هذه المشاعر المدوّنة على هذه الصلبان الخشبية؛ مشاعر كتلك التي عبّرت عنها إميليا من مدرسة يوحنا المعمدان الإبتدائية في بونيريغ:

"شكراً على كلّ ما قمتم به. لقد أحدثتم فرقاً".

شكراً

 

صورة للصليب التذكاري بعد انتهاء المراسم