السفارة الأسترالية
لبنان

ACSAOLOB_AR

أستراليا تحيي الذكرى السبعين لتحرير بيروت


في 12 تموز 2011، سيتوقف كثرٌ من اللبنانيّين عند الذكرى السنوية الخامسة لاندلاع "حرب تموز" 2006.

ولكنْ، كم منهم سيتذكّر أنّه في هذا اليوم بالذات منذ 70 عاماً خلت، وضع نزاع رئيسي آخر أوزاره في لبنان، حين تحرّرت بيروت على يد قوّات الحلفاء بقيادة الفرقة السابعة في الجيش الأسترالي؟

ففي 12 تموز 1941، إستسلمت قوات فيشي الفرنسية التي كانت تحكم لبنان في تلك الحقبة للجنرال الأسترالي الذي كان يقود الغزو، السير جون لافاراك، ولغيره من قادة الحلفاء. وعلى الإثر، بسطت قوات الحلفاء سيطرتها على لبنان واستوعبت العديد من الوحدات المقاتلة الفرنسية في قوات فرنسا الحرّة التي واصلت القتال إلى جانب القوات الأسترالية والبريطانية والتشيكية والهندية وقوات الفيلق العربي في المنطقة.

وإلى وضع حدٍّ لانخراط لبنان في الحرب العالمية الثانية، جاء تحرير بيروت، إلى جانب تحرير دمشق قبل تحرير كامل سوريا، ليفضي بصورة مباشرة إلى الإعتراف باستقلال لبنان وسوريا في العامين 1943 و1944 على التوالي.

فهجوم قوّات الحلفاء الذي عُرف في الأوساط العسكرية بـ "عملية إكسبورتر" (Operation Exporter) أو الحملة على سوريا ولبنان، اعتُبر ضرورياً بعدما أصبح الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا جزءاً من فرنسا فيشي عقب هزيمة فرنسا العسكرية أمام ألمانيا. وبعد إعلان المارشال فيليب بيتان قيام حكومة فيشي، وقّعت فرنسا اتفاقاً مع ألمانيا أتاح للأخيرة الوصول إلى المنشآت العسكرية في سوريا.

هدفت حملة الحلفاء في المشرق إلى منع ألمانيا النازية من استعمال الأراضي اللبنانية والسورية كمنصّة لشنّ هجمات على معقل قوات الحلفاء في مصر. وفي تلك الحقبة، كانت قوات الحلفاء وقوات المحور تخوض حملة عسكرية رئيسية إلى الغرب من شمال أفريقيا، تركّزت في أجزاء من ليبيا المعاصرة وغرب مصر. كما دار القتال بين قوات الحلفاء وقوات المحور عبر البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك في العراق الذي سقط، بعد انقلاب، بيد متمرِّدين موالين لألمانيا.

وفي 8 حزيران 1941، شنّت قوات الحلفاء، وفي عدادها عناصر من أستراليا وبريطانيا، بالإضافة إلى قوات فرنسا الحرة والقوات التشيكية الحرة، هجماتها على أربعة محاور. فبينما تقدّمت عناصر نحو دمشق وشمال سوريا وسوريا الوسطى، إختارت الفرقة الأسترالية السابعة التقدّم من فلسطين على محورين؛ أي على طول الطريق الساحلي المؤدّي إلى بيروت وعبر الجبال. وخاض الأستراليّون معارك أساسية أثناء تقدُّمهم عند نهر الليطاني (9 حزيران) وفي جزين (13 حزيران) ومرجعيون (19-24 حزيران) والدامور (5-9 تموز).

وفي 10 تموز، وبينما كان الأستراليّون على وشك الدخول إلى بيروت، سعى هنري دانتز، المفوّض السامي والقائد الأعلى لقوات فيشي الفرنسية، إلى التوصُّل إلى اتفاق هدنة. ودخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في الدقيقة الأولى بعد منتصف الليل في 12 تموز. وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، وقّعت قوات فيشي الفرنسية والقوات البريطانية بالنيابة عن قوات الحلفاء في الشرق الأوسط اتفاقية هدنة سان جان داكر (Armistice of Saint Jean d’Acre) التي عُرِفت باتقافية أكر (Convention of Acre ).

وبذلك، انتهت حملة عسكرية شرسة أودت بحياة الكثيرين من الجانبَيْن. وفي 15 تموز، دخل جنود أستراليّون إلى بيروت، لينظِّم كبار الجنرالات في قوات الحلفاء دخولاً احتفالياً إلى المدينة في اليوم التالي. وظلّت القوات الأسترالية، إلى جانب وحدات الكومنولث البريطانية، مُرابِطة في بيروت لعدة أشهر بعد الاستسلام، لتتّخذ من هذه المدينة معقلاً لها لما تبقّى من الحرب العالمية الثانية.

اتّخذت الفرقة الأسترالية السابعة من برمّانا مقراً لها، في حين تمركزت الوحدات التابعة للجنرال لافاراك في عاليه. أما القواعد الأسترالية الأخرى فتوزّعت في عمشيت وطرابلس وعين صوفر. هذا وقد بادر الجيش الأسترالي، أثناء تمركزه في لبنان، إلى تشكيل وحدة التزلّج الأولى له التي عَمِل على تدريبها.

ولا يزال لبنان يحتضن آثاراً تروي وجود القوات الأسترالية على أراضيه، وإنْ تبدّدت معالمها بعض الشيء. فعلى الضفة الجنوبية لنهر الكلب، شمال بيروت، لوحة برونزية كانت جاثمة على كومة من الحجارة تصف الجهود التي بذلتها القوات الأسترالية في الحرب العالمية الثانية. وقد سُرِقت هذه اللوحة أثناء الحرب الأهلية لقيمة معدنها.

وكما يُظهر نقشٌ آخر، لم تقاتل القوات الأسترالية للمرة الأولى في لبنان في العام 1941. إذ يشير نصب يرقى إلى العام 1930 إلى أنّ القوات الأسترالية شاركت في حملة ضد الإمبراطورية العثمانية في العام 1918 خلال الحرب العالمية الأولى، حيث حاربت إلى جانب فيلق الصحراء البريطاني والقوات الفرنسية والهندية والنيوزيلندية "وقوات الملك حسين (شريف مكة) العربية".

إضطلعت القوات الأسترالية بدور أساسي، لا بل كبير جداً في تحرير دمشق في العام 1918. فبعد وصولها إلى دمشق قبل الموعد المُحدَّد لها في 1 تشرين الأول 1918، إنسحبت القوات الأسترالية من دمشق لتمنح قوات الفيلق العربي بقيادة الأمير فيصل شرف دخول دمشق كالقوّة المحرِّرة لها.

وفي لبنان معالم أخرى خفّ وهجها تعود إلى تلك الحقبة وتحكي عن وجود القوات الأسترالية في لبنان. ولعلّ أهمّ هذه المعالم خط سكة الحديد المُهمَل حالياً بين بيروت وطرابلس. ولا يزال العديد من الجسور المتهاوية والركائز المنفردة يحمل شعار القوات الإمبريالية الأسترالية (التي تحوّل اسمها لاحقاً إلى قوات الدفاع الأسترالية) ووحدات الهندسة التي مَدَّت سكة الحديد عقب تحرير بيروت في العام 1941.

ولحسن حظّ المؤرِّخين المعاصرين والمصوِّرين الهواة، يبقى إرث آخر من دور أستراليا في الحملة على سوريا ولبنان. ويتجلّى هذا الإرث في صور التقطها مصوِّرو حرب رائدون، منهم فرانك هيرلي (الذي ذاع صيته لمرافقته ارنست شاكلتون في رحلته غير الموفّقة والشهيرة إلى القارة القطبية الجنوبية في العامين 1914-1916) وداميان بارير (أحد مصوّري الحرب الأكثر شهرة في أستراليا).

وللاحتفاء بالذكرى السبعين لتحرير بيروت، ستخصُّ السفارة الأسترالية الجمهور بمعرض لصورٍ تعود إلى القوات الأسترالية وقوات الكومنولث في لبنان خلال الحرب العالمية الثانية. كما من المرتقب عرض أعمال لمصوِّرين من أمثال هيرلي وبارير.

ستُقيم السفارة الأسترالية معرض الصور هذا في بيروت بالتعاون مع صالة عرض مارك هاشم، على أن تتوالى العروض في طرابلس وزحلة وصيدا. سيُفتتح المعرض في بيروت في صالة عرض مارك هاشم في أواخر أيلول/سبتمبر 2011، على أن تجول العروض على المناطق في تشرين الأول وتشرين الثاني.

وفي هذا الخصوص، أشار سفير أستراليا في لبنان، لكس بارتلم، إلى افتخار السفارة الأسترالية بتنظيم معرضٍ يحتفي بذكرى تحرير بيروت في الحرب العالمية الثانية.

وممّا قاله: "تفخر أستراليا بالدور الذي لعبته في مساعدة الدول في منطقة الشرق الأوسط على نبذ الاستبداد والقمع خلال الحربين العالميّتين الأولى والثانية. كما نشعر بالفخر لأننا لا نواصل العمل اليوم إلى جانب لبنان وبريطانيا فحسب، بل أيضاً إلى جانب فرنسا وألمانيا ودول أخرى كثيرة من بين أصدقائنا على الساحة الدولية، لمساعدة الشعب اللبناني".

هذا وأشار السيد بارتلم إلى أنّ قوات الدفاع الأسترالية واصلت في السنوات الأخيرة دورها البنّاء الذي تفخر بلعبه في لبنان وفي المنطقة المجاورة، في إطار عناصرها العاملين ضمن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف)، ومنظمة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (الأنتسو).